الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : الإصغاء بالسمع والبصر والفؤاد مدخل إلى العالم الجميل من الفردي إلى الجماعي

موقفنا : الإصغاء بالسمع والبصر والفؤاد مدخل إلى العالم الجميل من الفردي إلى الجماعي

14.11.2016
زهير سالم




حكيم العرب الذبياني قال للملك العاتب أو الحانق أو المتهم :
لئن كنت قد بُلغت عني خيانة ...لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذب
فخط بذلك في سفر الحكمة قاعدة ذهبية يمكن ، لو اتبعت ، أن تعيد صياغة معالم حياة إنسانية جميلة وسعيدة ومريحة ومثمرة . ويمكن أن تصادر الكثير من أسباب الصراعات ، وأن تحسم الكثير مما يُظن ويُخال ويُحسب . ففي الوقت الذي يتساءل أهل الغرب عامة والأمريكيون خاصة عن المسلمين : لماذا يكرهوننا ؟ يتساءل كل طفل مسلم في سورية والعراق واليمن عن ( الغربيين والأمريكيين ) ليس فقط : لماذا يكرهوننا ؟ بل لماذا يقتلوننا أيضا ؛ ويمسك كل فريق على صدق تساؤله بألف دليل !! نزعم أن بعض الإصغاء الصادق الجاد على كل أصعدة الحياة ، الفردية والجماعية ، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قمين بأن يسقط الكثير من أسباب الصراع ، ويبدد الكثير من سحب الكراهية على كل صعيد ز
على الصعيد الفردي بين الزوج وزوجه ، بين الوالدة والوالد وبين أولادهما ، بين الأخ والأخت وبين أخته وأخيها ، بين الصديق وصديقه ، بين الجار وجاره ، بين الزميل في العمل وزميله ، بين المدير والمدار ، بين وبين وبين وبين ... تفلح دقائق من الإصغاء في الشرح والتوضيح وإعادة الأمور إلى نصابها ، وتريح من أطنان من الشكوك والظنون والافتراضات والتفسيرات والتقولات والوشايات والتقارير يرفعها المستفيدون ويزدردها بغباوة المحتقنون .
يلقى الرجلُ الرجلَ لأول مرة ، فإذا هو قد اختزن عنه سفرا من المعلومات المشوَهة والمشوِهة ، لا تمت لا إلى حقيقة ولا إلى واقع ، وربما لا يغسل عينها أو يذهب بلونها أو ريحها أن تصب عليها سبع مرات ، وتدلك مع كل مرة بالتراب ...ثم يبدأ حديث تكون نهايته ، ان أحد الطرفين يتحدث والآخر يفتح فاه حتى تتدلى شفتاه ..
ومن الفردي إلى الجماعي ، يرث الإنسان من المحيط حوله ، ثقافة نمطية سائدة ، عن المجموعات ، والتجمعات ، والأجناس والأعراق والملل والنحل والأديان ، فيظل ما بقي محاذرا مجانبا خائفا مترقبا مجافيا ، دون أن يخطر بباله أن يحاول الإصغاء ، وأن يقترب من أصل الحقيقة فيدرك ما خفي عليه ، ويستوضح ما لُبّس ، ويتحقق مما ظن ...
ومن الجماعي إلى السياسي والدولي ولعل هذا الذي قادنا إلى كل هذا الذي نقول ؛ يدخل الرئيس الأمريكي ترامب هذه الأيام المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ، يحمل على كاهله ركاما ثقافيا عن الإسلام والمسلمين ، وعن السنة والشيعة ، وعن العرب والترك والفرس والهنود ، عن المصريين والسوريين والعراقيين ، عن السيسي والعبادي وبشار ، وسيسارع إليه الخبراء الأدعياء المتطوعون (الوشاة ) للاستثمار فيما ورث ، وللإغراق بالمزيد من ترهات الثقافة وأباطيل السياسة والأكاذيب التي تعمق الأخاديد بين البشر ، وتزيد من الكراهية والعداء والرفض والجفاء ؛ فينضاف كل ذلك إلى ما عنده من ركام ؛ لتصير العلاقة بين البشر إلى المزيد ، من الاحتقان والقطيعة والمزيد من الاحتجاج والرفض بكل أشكال الاحتجاج الرفض ، المشروع منها وغير المشروع .
على كل صعيد مما ذكرنا ، وفي كل الصور التي رسمنا ، سينفع ( من يريد الصلاح والإصلاح ) ساعات قليلة من الإصغاء . الإصغاء المفتوح على الجهات الأربع ، والإصغاء غير المسبوق بأحكام أصدرها ( الوشاة ) المستفيدون من عذابات البشر .
ومع الإصغاء السمعي يكون إصغاء آخر بالبصر ، وثالث بكل ما أعطى الله الإنسان من قدرة على الفحص والتمييز ، والإدراك ، لتتضح الحقائق ، ويستبين النهج ، ويميط الإنسان عن عقله وقلبه ، كل ما علق به من أدران الأقوال ، وظالم الأحكام ...
كثيرون من البشر عاشوا تجربة أن يحدثهم بعض الناس عن أنفسهم كلاما لا يعرفونه عن ذواتهم . وينسبون إليهم أقوالا ما قالوها ، وأفعالا ما اقترفوها ، ومناهج ما سمعوا بها ، إلا حين نسبت إليهم . أليس هذا ما يقال ويحاك وينسب إلى السوريين اليوم ، حتى الجرائم يمارسها المجرمون بحقهم تنسب إلى الضحايا أنفسهم ، ليقتلوا بها مرتين . ونزعم أننا في عالم الحقائق المصورة ، والمعلومات الطائرة ..
العلاقات الإنسانية اليوم ليست على نهج ، ولقد جرب بوتين منذ سنين حتى أصابه القرف من نفسه ، واليوم ينضم إلى المسيرة رئيس غرير جديد ...
الإصغاء الإنساني بشروطه الإنسانية العلمية الموضوعية ، مخرج مأمون ومضمون ، يصون الحقوق ويحفظ المصالح . ولن تحفظ مصلحة إن لم تقم على صيانة الحقوق ...
الإصغاء مطلب ومنهج على مستوى الفرد ، مستوى الأسرة ومستوى الحي والتجمع ومستوى الشعب والأمة ومستوى العالم كل العالم ...
ولو اعتمد الإصغاء منهجا لما توارث البشر ثنائية : الحماة والكنة منذ أقدم العصور ، بالطبع إن لم يكن في أحد أطراف المعادلة قميء بذيء مثل الحطيئة ، يوصي ابنته ليلة زفافها : سبي الحماة وابذؤي عليها ...
لندن : 13 / صفر / 1438
13 / 11 / 2016
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk